الحرب العالمية الثانية
"... اختفت هيروشيما يوم 6 آب 1945...
بعدها بثلاثة أيام ضاعت ناجازاكي..
بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة أذاع إمبراطور اليابان نبأ التسليم
وانتهت الحرب...
ولكن بنهاية الحرب بدأت المأساة ...
هيروشيما الهدف الأساسي للتفجير النووي في السادس من شهر أغسطس، بينما كانت كوكورا أو ناغازاكي الهدف الآخر. ولقد تم اختيار السادس من شهر لأن الغيوم قد سبق وأن حجبت الهدف. انطلق سرب الطائرات 393d B29 إينولا جاي من القاعدة الجوية الشمالية بجزيرة تينيان، غرب المحيط الأطلسي. وكان يقوده قائد المجموعة رقم 509 الكولونيل بول تيبتس. ورافق إينولا جاي (التي سميت باسم أم الكولونيل تيبتس) اثنين من الB29. قامت القاذفة الأولى وتسمى الفنان الكبير، بقيادة الرائد تشارلز دبليو سويني، بنقل المعدات؛ بالإضافة إلى طائرة أخرى سميت بعد ذلك بالشر الضروري (طائرة التصوير الضوئي)، والتي كان يقودها الكابتن جورج ماركوارت.[22]
وبعد مغادرة جزيرة تينيان، اتخذت كل طائرة طريقها على حدى إلىلايو جيما، حيث تقابلا على ارتفاع 2440 متر (8000 قدم) وانطلقا إلى اليابان.2,440 متر (8,000 قدم) وصلت الطائرة إلى الهدف، وكانت الرؤية واضحة على ارتفاع 9855 متر (32330 قدم). 9,855 متر (32,330 قدم) وأثناء الرحلة، قام الكابتن وليام بارسونز بتسليح القنبلة، حيث لم يكن تم تسليحها بعد لتقليل المخاطر أثناء الإقلاع. وأزال مساعد الكابتن، اللفتنانت الثاني موريس جيبسون، أجهزة السلامة قبل الوصول إلى الهدف بثلاثين دقيقة.[23]
الانفجار بحوالي ساعة، اكتشف رادار الإنذار الياباني اقتراب بعض الطائرات الأمريكية من الجزء الجنوبي الياباني. وتم تنبيه البلاد، وتوقف البث الإذاعي في مدن كثيرة، من بينها مدينة هيروشيما. وقرابة الساعة الثامنة صباحاً، حدد الرادار في مدينة هيروشيما اليابانية عدد الطائرات القادمة بأنه لا يتعدى الثلاث طائرات، ومن ثم تم رفع حالة التأهب. وللحفاظ على الوقود والطائرات، قرر اليابانيون عدم اعتراض مثل هذه التجمعات الصغيرة. حذَّرت الإذاعة الناس أنه قد يكون من المستحسن الذهاب إلى ملاجئ تحميهم من الغارات الجوية إذا ما شاهدوا الطائرات B 29 تقترب، ولم يتوقعوا حدوث أي غارات حيث اعتقدوا أن الطائرات في رحلة استطلاعية فقط.
انطلقت القنبلة الساعة الثامنة والربع (بتوقيت هيروشيما) كما كان مخطط، وهي قنبلة تعمل بقوة الجاذبية تسمى "ليتل بوي"،
كما أنهاقنبلة ذات انشطار مُصَوَّب. وتحمل 60 كيلوجراماً (130 باوند) مناليورانيوم 235. واستغرقت القنبلة 57 ثانية لتسقط من الطائرة وتصل إلى الارتفاع الذي ستنفجر فيه، وهو حوالي 600 متر (2000 قدم) فوق المدينة.60 كيلو غرام (130 باوند)600 متر (2,000 قدم) حولت القنبلة مسارها بحوالي 800 قدم (240 متر) بسبب الرياح المتعامدة، لتسقط على عيادة شيما للجراحة بدلاً من الهدف المخطط له، وهو جسر أيوي. ونتج عن ذلك انفجار يعادل حوالي 13 كيلوطن من الTNT
(ويعتبر سلاح اليو 235 غير فعال، حيث يتشطر 1.38 ٪ فقط من المواد المكونة له.) [24]وبلغ نصف قطر دائرة الدمار نحو ميل واحد (1.6 كم)، بالإضافة إلى الحرائق التي انتشرت في أنحاء مختلفة على مساحة 4.4 ميل مكعب تقريباً (11 كيلومتر مكعب).وتشير التقديرات الأمريكية إلى تدمير 4.7 ميل مكعب (12 كيلومتر مكعب) من مساحة المدينة. بينما حدد المسؤولون اليابانيون خسارة المباني في هيروشيما بـ69 ٪، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بـ6-7 ٪ من مباني أخرى.
لَقِىَ 70،000-80،000 شخص، أي حوالي 30 ٪] من سكان هيروشيما، حَتْفَهٌم على الفور، وجُرِحَ 70،000 آخرون] كما مات أكثر من 90 ٪ من الأطباء و93 ٪ من الممرضين في هيروشيما أو اصيبوا بجروح، حيث كان معظمهم في منطقة وسط المدينة التي تأثرت بالانفجار أكثر من أي منطقة أخرى.
على الرغم من أن الولايات المتحدة قد سبق وألقت منشورات تُحذر فيها المدنيين من الغارات الجوية على اثنتى عشر مدينة يابانية أخرى،لم يتم تحذير سكان هيروشيما من إسقاط القنبلة الذرية.
القنبلة الثانية ... مدينة ناغازاكي ...
مدينة ناغازاكي واحدة من أكبر الموانيء البحرية التي تقع جنوب اليابان. وكان لها أهمية استراتيجية كبيرة بسبب نشاطها الصناعي، حيث كانت تُنتج الذخائر، والسفن، والمًعدَّات العسكرية، والمواد الحربية الأخرى.
وعلى عكس العديد من الجوانب الحديثة في مدينة هيروشيما، كانت جميع المباني في ناغازاكي مبنيِّة على الطراز الياباني القديم، حيث تتألف من الأخشاب (مع أو بدون لاصق) والأسقف المكسوة بالآجر. كما كان العديد من المنشآت التجارية والصناعية مصنوعة من الخشب أو غيره من المواد التي لا تتحمل الانفجارات. تمكنت ناغازاكي من النمو لسنوات عديدة دون أن تخضع إلى أي خطة تقسيم; وشُيدت المساكن بِجوار المباني الصناعية. وتقع قريبة من بعضها البعض قدر المستطاع في جميع أنحاء الوادي الصناعي.
لم تتعرض ناغازاكي لقصف عنيف قبل ضربها بالأسلحة النووية. في الأول من شهر أغسطس عام 1945، سقط عدد من القنابل التقليدية شديدة الانفجار على المدينة. ضرب عدد قليل من القنابل أحواض بناء السفن ومناطق تحميل وتفريغ السفن في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة، بيتما أصابت عدة قنابل مصانع ميتسوبيشي للصلب والأسلحة. كما أنهالت ست قنابل على كلية الطب بناغازاكيوالمستشفى، وتعرضت المباني لثلاث ضربات مباشرة. على الرغم من أن الضرر الناجم عن هذه القنابل كان ضئيلاً نسبياً، فقد خلق ذلك قلقاً كبيراً في ناغازاكي بين كثير من الناس، وخاصة على مدارس الأطفال. وبالتالي، تم نقل الأطفال إلى المناطق الريفية من أجل سلامتهم، ومن ثم خفض عدد السكان في المدينة في وقت الهجوم النووي.
يقع في شمال ناغازاكي معسكر يحتجز أسرى حرب الكومنولث البريطاني، وكان بعضهم يعمل في مناجم الفحم، ولم يعرفوا شيئاً عن الانفجارات إلا عندما عادوا إلى السطح.
الساعة 11:01، تمكن الكابتن كيرميت بيهان من رؤية الهدف في آخر دقيقة من انكسار السحب فوق ناغازاكي.سقط "الرجل البدين"،
الذي يحتوي على 6.4 كيلوغرام (14.1 باوند) منالبلوتونيوم 239، على الوادي الصناعي بالمدينة. وبعد مرور ثلاثة وأربعين ثانية، انفجرت القنبلة على ارتفاع 469 متر (1،540 قدم) فوق سطح الأرض، تحديداً في منتصف المسافة بين شركة ميتسوبيشي للصلب والأسلحة في الجنوب ومصنع ميتسوبيشي Urakami للذخائر (التوربيدو) في الشمال. وكان ذلك على بعد 3 كيلومتر (2 ميل) تقريباً شمال غرب المركز المخطط؛ اقتصر الانفجار على وادي أوراكامي، بينما حمت التلال جزء كبير من المدينة
). وقُدِّرَت الطاقة الحرارية التي ولَّدَها الانفجار بـ3،900 درجة مئوية (4،200 كلفن، 7،000 درجة فهرنهايت)، بينما بلغت قوة الرياح إلى 1005 كم/ساعة (624 ميل في الساعة).
تراوح عدد الوفيات المباشرة بين 40،000 و75،000 شخص.
ووصل إجمالي عدد الوفيات بنهاية عام 1945 80،000 شخص.
سييكو وهي احدي الناجيات من ذلك الدمار: كان يوما صحوا، الشمس مشرقة والجميع يتوقع أن يكون مجرد يوم حار آخر. في الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة صباحا ألقيت أول قنبلة ذرية من صنع الإنسان , فجأة رأيت صاعقة من البرق أو ما يشبه عشرات الآلاف من الصواعق البرقية تومض في لحظة واحدة , دوى صوت انفجار ضخم ثم ساد الظلام
ثم دوى صوت انفجار قوي وفجأة ساد المكان ظلام تام. عندما أفقت وجدت شعري ذابلا وملابسي ممزقة وكان جلدي يتساقط من على جسدي، ولحمي وعظامي مكشوفة. لم أفكر حتى في تغطية جسدي، فقط وجدت نفسي أصرخ وأجري لأنفد بجلدي
الجميع كان يعاني من حروق شديدة في جسده. كانوا يبكون ويصرخون ويسيرون في نفس الاتجاه وكأنهم طابور من الأشباح
غطى مدنية هيروشيما ظلام دامس بعد أن كانت منذ قليل تعج بالحياة، الحقول احترقت ولم يعد ثمة ما يذكرنا بالحياة
تناثرت الأجساد المحترقة هنا وهناك في الشوارع مثل الأسماك المشوية وكان من المستحيل أن تقول ما إذا كان هذا الجزء من الجسد أو ذاك ينتمي لرجل أو امرأة أو طفل صغير أو لرجل عجوز , كانت هيروشيما منذ قليل مدينة تعج بالحياة
وكانت الدماء تغطي من ظل على قيد الحياة لكنهم تساقطوا قتلى واحدا تلو الآخر. كثيرون لم يستطيعوا حتى أن يصرخوا.. كنا نسير بين الجثث والمصابين
شعرت بحرارة شديدة في جسدي، وسرت مع صديقة لي إلى النهر. عندما نظرت لوجه صديقتي وجدت جلدها يتدلى من وجهها مثل الشمعة المحترقة، وفكرت على الفور أن وجهي بالتأكيد سيكون مثل وجهها
سار الكثير من المصابين إلى النهر الذي أصبح مليئا بالناس لدرجة أننا لم نعد نرى المياه. كان الناس يظهرون ويختفون في المياه وعندما ماتوا غرقوا في القاع , في وقت لاحق سمعت أن هذه الجثث تركت لمدة أربعة أو خمسة أيام طافية تحت رحمة المد والجزر
ثم خرجنا من النهر وواصلنا الهرب وأثناء طريقي رأيت الكثير من المنازل المدمرة. ومن تحت أنقاضها سمعت أصواتا تصرخ: ساعدوني.. ساعدوني، لكنني كنت مجرد فتاة صغيرة، ماذا أستطيع أن أفعل، كل ما يمكنني فعله هو ان أواصل الهرب. وضعت يدي على أذني وواصلت السير
كان هناك رجل مسن مصابا بشدة ولا يستطيع الحراك، أمسك قدمي وقال: أعطني بعض المياه، وحدق في وجهي، مرة أخرى لم أستطع أن أقدم شيئا، جريت، ولا زالت هذه الذكرى تطاردني , عندما أفكر في من كانوا مدفونين تحت الأنقاض أو في هذا الرجل أشعر بالألم يعتصرني
تبلغ ايكيدا الآن ستة وسبعين عاما، وأجريت لها خمس عشرة عملية تجميل لإصلاح وجهها الذي تشوه بشدة، لكنها تقول إنها تشعر أنها محظوظة لبقائها على قيد الحياة
سبعة وخمسون عاما مرت على هذه الجريمة النكراء ولم تقل جمهورية الشر الأمريكية كلمة اعتذار واحدة ولم تتوقف عن انتاج الاسلحة المدمرة وتهديد البشرية بها واستخدامها دون أن يردعها رادع
أما سوناو تسوبوي، وهو أحد سكان هيروشيما ممن نجو من الكارثة التي حلت بها، حيث يشير إلى أنه كان في ذلك الوقت يبلغ من العمر 20 عاما، ويدرس الهندسة، قائلا إنه يعتبر نفسه محظوظا للعديد من الأسباب، فإلى جانب نجاته بأعجوبة من الموت بعد ضرب هيروشيما، فإن مجال الدراسة الذي اختاره وهو الهندسة منحه مزية البقاء في مدينته، دون أن يتم استدعاؤه للخدمة العسكرية مثل باقي أقرانه، حيث كان يعكف على المشاركة في تصميم مقاتلات حربية. ويوضح تسوبوي أن الحكومة اليابانية آنذاك كانت تؤجل الخدمة العسكرية لطلاب العلوم والهندسة للاستفادة منهم في مجال تصميم الأسلحة، وهو ما جنّبه مصير شقيقيه اللذين قتلا في الحرب العالمية الثانية. أبواب الجحيم ويتذكر الرجل أنه كان في صباح السادس من أغسطس في طريقه إلى كليته، عندما أسقطت الطائرة الامريكية (إينولا جاي) القنبلة الذرية الأولى على هيروشيما، وهي القنبلة التي عرفت فيما بعد باسم (الولد الصغير).
ويقول تسوبوي إنه كان على بعد أقل من ميل من المكان الذي سقطت فيه القنبلة على أحد المباني الحكومية المقامة في وسط المدينة، وهو المكان الذي يوجد به حاليا هيكل لقبة هذا المبنى. وسقطت القنبلة كما يتذكر هذا المسن الياباني في تمام الساعة الثامنة والربع من صباح هذا اليوم الحار الذي فُتحت فيه أبواب الجحيم على هيروشيما. ويشير تقرير المجلة الأمريكية إلى أن تسوبوي كان محظوظا بالفعل لأنه لو كان أكثر قربا من ذلك المكان الذي سقطت فيه القنبلة، لكان قد تحول إلى رماد مثله مثل مائة ألف من سكان المدينة الذين قضوا نحبهم في لحظات.
ويوضح التقرير أن سقوط القنبلة أودى بحياة كل من كانوا على بعد نصف ميل منها أو أقل، مشيرا إلى أن حجم الدمار في المدينة كان من الجسامة بحيث دفع سلطات الاحتلال الأمريكي التي هيمنت على مقاليد الأمور في طوكيو بعد الحرب إلى مصادرة فيلم وثائقي أعدته مجموعة من مصوري السينما اليابانيين وصلت إلى هيروشيما بعد أيام قلائل من قصفها بالقنبلة الذرية، لتسجيل الدمار الذي حل بها جراء ذلك. وتعزو (تايم) هذا التصرف لخشية السلطات الأمريكية في ذلك الوقت من أن يؤدي مثل هذا الفيلم إلى إشعال شرارة التمرد في نفوس اليابانيين، على الرغم من استسلام بلادهم الرسمي في نهاية الحرب، مشيرة إلى أن تلك السلطات لم تكن لديها أي نية لإتاحة الفرصة لباقي اليابانيين لرؤية ما آلت إليه هيروشيما بعد قصفها بالسلاح النووي. الضحايا يتساقطون ويعود التقرير إلى تسوبوي الذي أدى الانفجار الناجم عن سقوط القنبلة إلى احتراق ملابسه، وكذلك إلى إصابته بحروق جسيمة في جسده كله تقريبا، وهو ما دفعه للعدو بأقصى ما كان في وسعه للابتعاد عن المكان، حتى سقط أخيرا بجوار مركز للإسعافات الطارئة في إحدى ضواحي المدينة.
وينقل تقرير (تايم) عن هذا الرجل قوله إنه رأى العديد من الأشخاص المصابين بجروح خطيرة يتساقطون في كل مكان بالمدينة، وأيضا في مياه النهر الذي يمر بها، وكذلك على ضفافه، مشيرا إلى أن الكثير من الناس الذين لم يقضوا نحبهم على الفور، كانوا يتمايلون بلا هدف عبر النيران المشتعلة التي كانت تلتهم أنقاض المباني المتهدمة. ويتذكر تسوبوي في هذا الصدد مرأى رجل كان مصابا بجرح عميق للغاية في صدره للدرجة التي جعلت بوسع الآخرين رؤية رئتيه وهما تنقبضان وتنبسطان مع كل شهيق وزفير..
يبقى الحديث عن الذين ألقوا القنبلة الذرية على هيروشيما ؟
من هم ..؟؟
بين الموت والجنون وآلام الذاكرة تأرجحت مصائر أفراد طاقم الطائرة الأميركية التي ألقت القنبلة الذرية على هيروشيما / اليابان مؤذنة بانتهاء الحرب العالمية الثانية بعد إرفاقها بنسخة مشابهة على ناجازاكي بعد ثلاثة أيام من أكبر مجزرة جماعية صفعت ضمير العالم، بل وضمائر مرتكبيها..
لم يتفق الباحثون والمحللون السياسيون على مبررات منطقية دفعت الولايات المتحدة آنذاك للقيام بأبشع وأفظع عمل إجرامي في تاريخ البشرية.. فقد كانت اليابان على وشك خسارة الحرب بعد أن خسرت حليفاتها ألمانيا وايطاليا.. ويرى كثير من الخبراء أن الحرب كانت تسير إلى نهايتها، رغم عناد الجندي الياباني الذي تحطمت على صخرته كثيراً من قوى جيوش الحلفاء..
كثيرة هي المقالات التي كتبت والإحصاءات التي نشرت، عن الضحايا في هيروشيما وناغازاكي وعن الدمار الذي لحق بهما سواء الدمار المادي المريع، أو الدمار الإنساني والنفسي الأمر الذي جعل إحدى أكبر الصحف اليابانية تكتب في ذكرى القصف : إن اليابان لن تنسى أبداً ما فعلوه بها.. إننا قد تعلمنا معنى الخوف...
موضوع اليوم يختلف عن الكثير الذي كتب حول هيروشيما، فهو يتطرق للتفاصيل التي حدثت وكيف تحدًث الناجون وكيف وصفوا الحدث، كما يركز على القائمين بالفعل الإجرامي ـ بصرف النظر أنهم يمتثلون لأوامر قياداتهم ـ وعلى خلفياتهم الاجتماعية وصفاتهم الشخصية وما آلوا إليه.. لأن ما فعلوه يتجاوز حدود العقل البشري وطاقته على الاستيعاب والتبرير .. فما بالك بالصفح والتسامح..
من مقال بعنوان "فاتورة حساب ملاحي طائرة الموت !" من مجلة الحرب العالمية الثانية، إحدى المجلات المتميزة الموجودة في مكتبة سيريانيوز،
اخترت هذه المقتطفات..
في ومضة انفجار القنبلة التي لا تزيد عن واحد على الألف من الثانية 80 ألف ياباني احترقوا، ولكن الذين أفلتوا من هذا الموت الخاطف عاشوا ليواجهوا ساعات أشد هولاً ذاقوا فيها أبشع ألوان العذاب قبل أن يتداركهم الموت برحمته..
في ثوان معدودات نشبت مئات الحرائق وامتدت إلى عشرات الأميال.. ونظر الآباء إلى زوجاتهم، وقد أصبحن زنجيات بعد أن شوى الإشعاع والحرارة وجوههن.. أما الأطفال فقد ذابت جلود وجوههم كما يذوب الشمع، وبرزت عظامهم محترقة ثم مصهورة !
لفحت النيران منازل 350 ألف نسمة.. هم سكان المدينة، فتساقطت شظايا سوداء متفحمة.. اختفت الشمس واندفعت في سماء المدينة كرات من النار تطارد 100 ألف من المصابين وتدفع بهم إلى نهر كيوباشي. كانت صرخاتهم ترتفع إلى السماء، ثم يتساقطون في النهر.. مئات فوق مئات .. كالجدار المنهار..
ثم أتت لعنة الله.. مطر أسود، مطر انفجرت به السحب السوداء الحالكة التي انتشرت في السماء بسرعة مذهلة، مطر كانت كل قطرة فيه بحجم البيضة، ولكنها بيضة سوداء..
دافيد انجلش، الكاتب الانكليزي الذي ننقل عنه هذا التحقيق المثير، تعقب طاقم طائرة الموت التي قذفت القنبلة الذرية على هيروشيما، تعقبهم واحداً واحداً وسافر إليهم وتكلم معهم وكتب يصف مصيرهم ..
كانوا اثني عشر رجلاً.. بل اثني عشر نموذجاً بشرياً..
قائدهم، أصغر كولونيل في الجيش، رجل جليدي الأعصاب، كرس نفسه للتدمير كمهنة... ورجل آخر دوًن رؤسائه في ملفه أنه لا يصلح للترقية ولا لأي منصب قيادي من أي نوع كان.. وكان بينهم المقامر المحترف الذي يعتبر أن عمله الأساسي في الحياة هو لعب البوكر، وهناك الرجل الذي يحمل مسدسه لينهي به حياته إذا فشل في تلك المهمة.. وأخيراً كان بينهم صبي لم يبلغ التاسعة عشرة من عمره بعد..
لقد كانت الحقيقة الأولى التي عرفها عنهم، أنهم أرسلوا جميعاً، عقب هذه العملية بشهور، إلى العيادات النفسية التابعة للجيش الأميركي..
وتولت هذه العيادات النفسية غسل عقولهم وتطهيرها من آثار تأنيب الضمير ووطأته.. فهل نجح الجيش الأميركي في استئصال ضمائرهم ؟
وفي الوقت نفسه حرصت الحكومة الأميركية على ألا توليهم أهمية خاصة.. مثلاً واحد منهم فقد هو الذي نال نيشاناً.. وهو تيبتس قائد الطائرة.. وفيما بعد رقي إلى جنرال... ولم يحظ الباقون بأي شيء... ولما أبدوا تذمرهم، منحوا نيشان (النجمة الفضية) وهو نيشان عادي جداً..
ولقد سرحوا جميعاً من الخدمة العسكرية بعدها مباشرة فيما عدا شخصين اثنين لا يزالان يخدمان سلاح الطيران الأميركي حتى الآن، وهما الوحيدان من بين أفراد الطائرة اللذان لا يبدو عليهما ـ ظاهرياً على الأقل ـ أي ندم على ما فعلوه، وهما يقولان أن الذي أصدر أمر إلقاء القنبلة الذرية هو ترومان رئيس الولايات المتحدة إذ ذاك، فإذا كان هناك لوم فليقع عليه..
أما تيبتس ـ قائد الطائرة ـ فقد طلقته زوجته الأولى.. لم تطق أن تعيش معه بعد هيروشيما، وتزوج للمرة الثانية، ثم دخل مصحة عقلية بعد أن أصيب بانهيار عصبي..
وهناك الماجور ايثرلي ضابط الأرصاد الجوية الذي أفتى قبل الكارثة بدقائق، بأن الجو صالح لضرب هيروشيما بالذات.. وهذا فقد عقله، وقبض عليه في تكساس وأودع مستشفى الأمراض العقلية..
وروبرت لويس مساعد قائد الطائرة، أصيب بحالة هستيرية تلازمه في كل حركاته وسكناته، فهو يضحك ضحكة تشبه العواء بلا سبب، ويصرخ لأتفه الأسباب، ويأكل بشراهة.. ولما دعي لزيارة هيروشيما ليرى ما أحدثه فيها رفض ومكث ثلاث ليال بعدها يبكي بكاء هستيرياً لا ينقطع..
أما بيرنز المهندس الالكتروني، فقد حاول أن يهجر ديانته اليهودية إلى المذهب الكاثوليكي ثم إلى البروتستانتي لكنه لم يجد قسيساً يضمن له الجنة.. فانتهى بأن خرج من دينه اليهودي، ولم ينضم إلى دين من الأديان..
أما روبرت شومارو الذي ظل ثلاث سنوات كاملة يصرخ في نومه : السحابة .. السحابة.. ثم توقظه زوجته والدموع تملأ عينيها، فإذا استيقظ انخرط في بكاء مرير، بينما يهذي بأن سحابة الدخان الأسود التي ملأت سماء هيروشيما، إنما هي مجموعة أرواح الضحايا التي صرعتها القنبلة..
أما المقامر فان كيرك، فإنه كان قد تماثل للشفاء من كابوس مماثل، ولكن حدث أن عرض التلفزيون الأميركي برنامجاً عن ضحايا هيروشيما، فعاد إليه الانهيار العصبي ولم يشف منه حتى الآن..
وحدث أن زار أميركا بعض القسس اليابانيين الذين نجوا من قنبلة هيروشيما، فسعى فان كيرك إليهم وكان يتمنى أن يشتموه أو يصفعوه.. ولكن الذي حدث أنهم قالوا له أنهم يسامحونه، فازدادت وطأة العذاب عليه !
وريتشارد نيلسون، أصغر ملاحي الطائرة سناً، أصبح الآن ـ رجلاً ـ في الخامسة والثلاثين من عمره، شارد العينين، زائغ النظرات، يعاني كثيراً من خطابات الشتائم الغفل من الإمضاء التي تصله.. وزوجته يضنيها الأسى وتقول لكل من يقابلها : إن شبح هيروشيما لا يزال يطارد روحي !
وهناك بارسونز، العالم الذي ركب الجزء الذري الفعال في القنبلة، لقد صرعه التفكير فمات..
أما مساعده جيبسون، فقد تركته زوجته هو الآخر.. قالت أنها لا تريد أن تعيش مع قاتل، ويعيش الآن وحيداً في نيوجرسي ويرفض أن يتكلم عن أي شيء له صلة بالذرة..
وفي مثل هذا اليوم من كل سنة، يجتمع أهالي لندن طوال 24 ساعة ويرددون في نداء محموم : لا تلقوا الثالثة !.."
لا تلقوا قنبلة ثالثة ـ حسب ما ظل يردده العالم في لندن ـ وحتى لا ننسى إلى أي مدى يمكن أن تتمادى آلة الدمار العسكرية في العالم أجمع.. نعيد هنا نشر هذا الموضوع الفريد بطريقة عرضه ومعالجته التي تدور حول مقولة باتت شائعة عن أن دم الضحية يظل يلاحق الجلاد إلى آخر الدنيا ومهما طال الزمن..
بعد 6 عقوود من الكارثة...
متحف نصب السلام في هيروشيما
يقع في الطرف الجنوبي من حديقة السلام التذكارية وتم تأسيسه استنادا إلى القانون الذي أقر بتشييد نصب تذكاري للسلام وذلك لينقل إلى الأجيال القادمة المأساة التي سببها إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما. حيث جرى تجميع الآثار والوثائق المتعلقة بكارثة القنبلة الذرية من قبل مجموعة من المتطوعين من سكان المدينة وتعاون الكثير منهم وعملوا تحت مظلة واحدة يطلق عليها حاليا ”جمعية المحافظة على وثائق القنبلة الذرية“. يحتوي المتحف على صور ووثائق تظهر مدينة هيروشيما قبل وبعد وقوع الانفجار اضافة إلى نماذج وصور مكبرة وشرح عن العالم في عصر الأسلحة النووية ومعرض يهدف إلى تحقيق مجتمع سلمي خال من الأسلحة النووية.
المتحف من تصميم كنزو تانغي، ويتكون من المبنى الرئيسي والجناح الشرقي، وقد اختير المتحف ليكون ضمن الكنوز الثقافية الهامة في اليابان. وهذه الصورة البانورامية هي سجل قيم من المعرض الحالي حيث أنه من المحدد أن تبدأ عمليات التحديث واسعة النطاق في الفترة الواقعة بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٨.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق